. أبو الأسود الدؤلي...العلامة الفاضل قاضي البصرة واسمه ظالم بن عمرو على الأشهر ولد في أيام النبوة وحدث عن عمر وعلي وأبي بن كعب وأبي ذر وعبد الله بن مسعود والزبير بن العوام وطائفة.
قرأ القرآن على عثمان وعلي، قرأ عليه ولده أبو حرب ونصر بن عاصم الليثي وحمران بن أعين ويحيى بن يعمر.
قال يحيى بن معين: مات أبو الأسود في طاعون الجارف سنة تسع وستين، وهذا هو الصحيح. وقيل: مات قبيل ذلك وعاش خمسا وثمانين سنة.اهـ
وأما سيبويه فقال عنه: " هو إمام النحو حجة العرب أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي ثم البصري، وقد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير لا يدرك شأوه فيه،... وكان شابا جميلا نظيفا قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب بسهم في كل أدب مع حداثة سنه، وقيل عاش اثنتين وثلاثين سنة، وقيل نحو الأربعين. قيل مات سنة ثمانين ومئة وهو أصح. وقيل سنة ثمان وثمانين ومئة" اهـ.
ومن روائع ما كتب ابو الاسود الدؤلى
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداءٌ له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسداً وبغياً إنه لدميم
والوجه يشرق في الظلام كأنه ... بدرٌ منيرٌ والنساء نجوم
وترى اللبيب محسداً لم يجترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم
وكذاك من عظمت عليه نعمةٌ ... حساده سيفٌ عليه صروم
فاترك محاورة السفيه فإنها ... ندمٌ وغبٌّ بعد ذاك وخيم
وإذا جريت مع السفيه كما جرى ... فكلاكما في جريه مذموم
وإذا عتبت على السفيه ولمته ... في مثل ما تأتي فأنت ظلوم
(لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم)
ابدأ بنفسك وانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى ... بالعلم منك وينفع التعليم
ويل الخلي من الشجي فإنه ... نصب الفؤاد بشجوه مغموم
وترى الخلي قرير عين لاهياً ... وعلى الشجي كآبةٌ وهموم
ويقول: ما لك لا تقول مقالتي ... ولسان ذا طلقٌ وذا مكظوم
لا تكلمن عرض ابن عمك ظالماً ... فإذا فعلت فعرضك المكلوم
وحريمه أيضاً حريمك فاحمه ... كي لا يباع لديك منه حريم
وإذا اقتصصت من ابن عمك كلمةً ... فكلومه لك إن عقلت كلوم
وإذا طلبت إلى كريمٍ حاجةٌ ... فلقاؤه يكفيك والتسليم
فإذا رآك مسلماً ذكر الذي ... كلمته فكأنه ملزوم
ورأى عواقب حمد ذاك وذمه ... للمرء تبقى والعظام رميم
فارج الكريم وإن رأيت جفاءه ... فالعتب منه والكرام كريم
إن كنت مضطراً وإلا فاتخذ ... نفقاً كأنك خائفٌ مهزوم
واتركه واحذر أن تمر ببابه ... دهراً وعرضك إن فعلت سليم
فالناس قد صاروا بهائم كلهم ... ومن البهائم قائلٌ وزعيم
عميٌ وبكم ليس يرجى نفعهم ... وزعيمهم في النائبات مليم
وإذا طلبت إلى لئيمٍ حاجةً ... فألح في رفقٍ وأنت مديم
والزم قبالة بيته وفناءه ... بأشد ما لزم الغريم غريم
وعجبت للدنيا ورغبة أهلها ... والرزق فيما بينهم مقسوم
والأحمق المرزوق أعجب من أرى ... من أهلها والعاقل المحروم
ثم انقضى عجبي لعلمي أنه ... رزقٌ موافٍ وقته معلوم