المرأة ضد المرأة
هناك أصوات نسائية تتفنن في تشويه قضية المرأة في بلادنا ، وتبرع في تجييش المشاعر ضد كل من تسول له نفسه الكتابة عن دونية وضع المرأة الاجتماعي، أو عن الظلم الذي يمارس عليها أبشع صوره في مجتمعنا. وهذا الخطاب الذي يتكرر علينا آناء الليل وأطراف النهار يزعم أن المرأة السعودية بألف خير ونعمة، ولا وجود هناك لظلم اجتماعي يرتكب بحقها وليس هناك انتقاص لمكانتها! وكل الأمور تسير على خير ما يرام والمظالم التي تفوح روائحها في الآفاق ليست إلا محض كذب، يبنى على نماذج معدة سلفا ليس لها أصل في الحقيقة، بل تعتمد على إحصائيات غير دقيقة ودراسات لم تستوف الشروط المنهجية العلمية. وأن قضية المرأة وتحريرها ليست إلا مؤامرة ترمي إلى إخراج المرأة من محارتها المتينة وزجها في دائرة العام وإفسادها الذي سيقود بالطبع لإفساد المجتمع. كما ترمز في عرفهم للاستلاب الثقافي والانبطاح للغرب الكافر.
والحقيقة أن هذه الأصوات التي تستهجن الاستلاب الثقافي تقع هي بين أتونه وتغوص فيه حتى أخمص قدمها، فهي تعتمد الغرب كمرجعية عند المقارنة والمراجعة والتقييم. فتدعم رؤاها ببحوث غربية أو مؤلفات تعترف بفشل الحركات النسوية في بث الأمن وبناء الأسرة. وتتحدث هذه المؤلفات أيضا عن الأمراض الاجتماعية التي صاحبت خروج المرأة للعمل بعد الثورة الصناعية في الغرب. وتقفز هذه الأصوات على حقيقة اختلاف حركة تحرير المرأة في العالم العربي في تفاصيلها وملامحها عن تلك الغربية ، وأنها في السعودية على وجه الخصوص مرتبطة بتمكينها من الحقوق التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية السمحة وبفك الاشتباك بين الشرعي والعرفي.
كما يطيب لهذه الأصوات أن ترمي باتهامات التغريب والعلمنة في وجه كل من يكتب عن قضية المرأة بصرف النظر عن منطلقاته، ثم تمعن في التحذير من كلمات بعينها لأنها من مفردات الحركات النسوية ، فإياك أن تستخدم على سبيل المثال كلمة التمكين أو النضال أو الصراع أو الإقصاء المستخدمة في حركة تحرير المرأة. أما وصفك للمجتمع بالأبوية فيقع في قائمة المصطلحات الواجب حتما مقاطعتها، حتى لو كان وصف المجتمع بالأبوي حقيقة علمية اجتماعية لا يخالجها شك ولا مراء، فما عليك إلا أن تتعامى عن الحقائق العلمية والنظريات الاجتماعية التي تقول إن صفة الأبوية تطلق على المجتمعات التي لا تزال للقبيلة والقبلية تأثير كبير في بنيتها الاجتماعية.. لا عليك من كل هذا، فهو ليس إلا مؤامرة ترمي إلى استلابك من ثقافتك وإبعادك عن دينك.
والمحزن حقيقة أن هذه الأصوات رغم نشازها تجد آذانا صاغية عند الوجدان الشعبي ، لتقف المرأة ضد المرأة ويحارب بعضها بعضا